الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

مروان السمحان

 

كان يا ما كان في قديم الزمان ,كان رجل يدعى مروان, صاحب أراضي و حقول ذات ألوان تنتج الفاكهة و الرمان من مختلف الأشكال و الأوزان, و الحب و الخضر ذات الأكمام, فكان مروان نشيطا يعمل في اتزان وهو فلاح مثابر يحب الجد و الإتقان ,فيتحكم إلى تقسيم أرضه إلى جهات ومواقع ذات بيان فلا يسلب شبرا من أرض الجيران, ولا ينقص مترا من أرضه بمقياس بيان فاكتسب صيتا حسنا و زاد صيته إذ كان رجلا ذا حسان يحب الخير و السخاء و الإكرام ,لا يمر بأرضه حيوان ولا إنس ولا مارد من الجان إلا وكان له منها نصيب له في الرزق و الأنعام, وكان صاحب خلق وكرم وخصال متان, يعرفه بها و يعهده كل مخلوق وإنسان. وكان لصاحبنا مروان جار يدعى نعمان شديد الغيرة من جاره مروان ورجل حاسد و ذو كيد و شر هائل سام يكرهه كل الناس لهذا الاتصاف وتنفر منه حتى أقوى الأنام لأن الجميع عهدوا فيه المكر و الخداع و وصفوه بالجبان ,فذات مرة أخد خرافه لترعى الأعشاب قرب البستان فخطرت له فكرة شريرة توضح سواد قلبه و الهوان فساق خرفانه نحو بساتين مروان وكان نعمان وراء هذا يسعى لإتلاف الحقول و جعلها تزول بفعل شراهة الخرفان فدمرت الماشية المزروعات وأكلت كل أخضر و يابس بنهم فأخذ يضحك و يقفز الماكر نعمان و قال في قلبه<< تستحق هذا يا جاري يا مروان تظن نفسك أفضل مني وأنا لا أملك مثل حقوق الخضراء وأراضيك الخصبة تستحق هذا ....>> ولما المساء حان أسرع وأبعد الخرفان وعاد للبيت فرحا ومضت الأيام وكل يوم يجد مروان البسا تين مخربة والفواكه قد أفسدت كليا وهو في شك من جاره نعمان لكنه لم يشأ معاتبته خجلا وحياء لطول وحسن الجوار فكان يصلح ما استطاع إصلاحه ويترك الباقي ليأكل منه كل مار وكل حيوان وفي ذات مرة رأى مروان نعمان يدخل خرافه للحقول لكي تفسدها وتنهب ما جهد لأجله مروان فصاح مروان: << لماذا يا أيها الجار هل بيني و بينك عداوة أو نكران؟>> فهب راكضا و تبعته الأغنام تثغوا و تجري في هوان, و مروان يتأسف لما رآه بأم عينه و يدعو لجاره بالهداية و الاتزان, فسمع ناس القرية و كذا الجيران, فسعوا ليعاتبوا و ينبذوا نعمان,لكن مروان منعهم و قال:<< لا يا إخوتي الكرام,أنا أسامح جاري نعمان, وأسعى ليهتدي و يكف عني أذاه الجبار...>> فعجبوا لأمره و عرفوا كبره بين كل الجيران, و صار ذا مكانة أعظم عندهم و لقبوه – بمروان المتسامح- , ومضت الأيام....و الوضع لا يزال على حال, حتى جاء يوم ديان, أصاب نعمان بمرض عضال,لا يقوى بتأثيره على الحركة و لا الكلام,شلل و ألم عظام,جزاء من الرب لقاء العمل الحرام,فلم سمع ناس القرية بمرضه عافوه و ابتعدوا عنه, كان رجلا ذا عدوان, يؤذي فوق أذاه و يفسد الجوار للناس كلهم و بالخصوص مروان, لكن هذا الأخير إذ علم بمرض نعمان, هرع إليه جاريا يستفسر عن حاله و وجهه خجلان, لأنه لم يسمع بمرض جاره إلا متأخرا, لأنه من حقله لا يخرج في عمله الطويل الشاق لإصلاح مفاسد نعمان و الخرفان, و مع ذلك لقد حمل إليه سلة من مختلف الخيرات من خضار و فواكه و ألبان, و صار كل يوم يأتيه ليعوده و يجلب معه سلة من كل الألوان, فتأثر نعمان و بكى كل تلك الأيام, و قال لمروان: << أهكذا قلبك طيب يا جاري العزيز؟ !  تقابل الشر بالخير , و أنا آذيتك لأيام و أيام؟ !! .....لماذا تساعدني الآن في سقمي و قد عافني كل الجيران, و ابتعدت عني كل الأنام , و شردت كل الخرفان, و صرت فقيرا جزاءً لشري و مكري و حسدي , أنا جبان ...! >> فقاطعه مروان و قال : << صمتا يا جاري العزيز و كف عن الكلام عما مضى من الأحزان, أنا أسامحك يا نعمان !  و لا تغضب و لا تحزن أبدا, و كأن شيئا لم يحدث يا صديقي و يا أخي, فأنا صبرت عليك لأن الرسول أوصى بالجار , وكاد يورثه بكل الأوزان, فاعلم أن التسامح من خلال الكرام , لا يناله إلا الكرام...>> فتأثر و عانقه نعمان باكيا عازما على التغير فيما أتى من الزمان,و قد قال لمروان: << يا جاري لن أوذي أحدا بعد الآن, عش بجوار أرضي في أمان, و اعمل فإن الله و أنا نعينك, فقد مر وقت للأحزان و الأمكار, و أقبل زمان عطرتَه بالتسامح و الغفران, فأبشر يا جاري يا أيها الفلاح الجاد, يا صاحب أقوى الأبدان..>> شفي نعمان من مرضه بعد وقت, و عاونه مروان ليشتري عددا من الأغنام, و يزرع أرضه فصارت كالجنان, و ازدهرت الحياة بها و اقترب الناس من نعمان بعدما رأوا مروان قد سامحه و اتخذه صديقا مقربا, فعرفوا مكانته عندهم و اتخذوه مقرا لحل النزاع و قاضيا و ملجأً للحنان, فدُعي أيضا {بالمتسامح السمحان}...

لحسن لطفي

شارك برأيك حول القصة هنا في المجموعة، لا تبخل به علينا!

هناك تعليقان (2):

  1. هيا عبروا عن رأيكم حول مروان السمحان و جاره النعمان...ماذا ترون؟؟؟

    ردحذف
  2. أرى أن النعمان شخص جبان وأن مروان شخص فنان ..!!

    ردحذف