1* توطئة:
اندلعت الثورة الجزائرية المجيدة في ليلة الفاتح من نوفمبر تشرين الثاني عام 1954م، بعد أكثر من 132 سنة من الاستعمار الفرنسي الرهيب، عانى فيها الشعب الجزائري من مختلف أشكال الاضطهاد و التعذيب و التقتيل و التنكيل من طرف المستعمر الغاشم الذي عاث في أرض الجزائر الخراب و سعى إلى طمس هويتها العربية الإسلامية و لكنه أخفق بفضل إرادة أناس لا يقهرهم القمع و الموت، هكذا ما أُخذ بالقوة و غصبا لا يُسترجع عدا بالقوة و غصبا على فرنسا الاستعمارية، أقوى قوة استعمارية في القرن العشرين.
2*أسباب اندلاع الثورة التحريرية الكبرى:
اندلعت الثورة التحريرية الجزائرية عقب أسباب عجّلت بإعلانها و لعل أهمها:
*تكثيف العدوان الفرنسي على الجزائريين العُزّل و الأبرياء و سياسة الاضطهاد الممارسة من طرف الجيش الفرنسي.
*فشل مسعى المقاومة السياسية منذ البدء و التيقن أنها لا تنفع أو تحقق الغرض الأول و الأساسي ألا و هو طرد المستعمر و الاستقلال التام عن فرنسا.
*جرائم الثامن مايو أيار 1945م التي راح ضحية فرنسا الغاشمة فيها أزيد من 45 ألف شهيد و هي مجزرة وحشية كبيرة.
*قناعة الجميع بضرورة القيام بالعمل المسلح لنيل الاستقلال.
*الأزمات داخل الحركة الوطنية الجزائربة منها أزمة القيادة في حركة انتصار الحريات الديموقراطية بين من يؤيد زعامة مصالي الحاج كرمز من رموز الكفاح السياسي بل كأب للحركة الوطنية و بين زعامة جماعية من اللجنة المركزية لذات الحزب، كما كان هنالك انقسام جلي بين مؤيدي العمل المسلح و مناصري النضال السلمي سياسيا.
*فشل مسعى توحيد الكفاح مغاربيا ضد فرنسا الاستعمارية.
*قيام العديد من الحركات التحررية في العالم و نيل معظم الدول المستعمَرة لحريتها و تأخر الجزائر في هذا المجال النضالي، فهذا المد التحرري أعطى الجزائريين إيمانا و قوة على إعلان الكفاح الثوري.
3*اندلاع الثورة التحريرية المجيدة:
أسست جبهة التحرير الوطني كممثل رسمي و وحيد للثورة المسلحة في الجزائر من طرف مجموعة الاثنين و العشرين الشهيرة في 23 أكتوبر 1954م و هذا بعد مشاورات و تخطيطات على عدة مراحل.
و في ليلة الاثنين الأول من نوفمبر تشرين الثاني انطلقت أول رصاصة في شرق البلاد بجبال الأوراس الشامخة معلنة تفجير الثورة و ابتداء العمل المسلح المنظم في الجزائر، فاستهدفت تلك الأمسية مراكز الجيش و الشرطة الفرنسية و الثكنات، و لم تكن بحوزة المجاهدين الذين قاموا بتلك العمليات الهجومية وسائل كافية أو حديثة، بل كانوا يحملون بنادق بسيطة و خناجر و قنابل يدوية تقليدية بالمقارنة مع الأسلحة التي يملكها العدو آنذاك، حتى عدد المقاومين عبر الوطن لم يتعدَّ الثلاثة آلاف مجاهد فقط. و تمثلت أبرز تلك العمليات في:
قتل عسكرييْن فرنسيْين في باتنة و اثنين في خنشلة شرق البلاد.
تفجير محطة للكهرباء و الغاز ببسكرة جنوب الجزائر.
في وسط العاصمة، رمي قنابل محرقة و ضرب مبنى الإذاعة و في ضواحيها بابا علي و بوفاريك: انفجارات و حرائق.
في عزازقة بتيزي وزو، تم قطع خطوط الهاتف و حرق مخازن المطاط.
تيقزيرت، مهاجمة مركز للدرك و ثكنة عسكرية.
قام المخططون لاندلاع الثورة بالموازاة مع العمليات المسلحة، بنشر بيان أول نوفمبر شارحين فيه للشعب و للجميع مبادئ و أهداف الثورة و أسباب اللجوء إليها، فتم توزيعه على نطاق شامل كما أذاعته إذاعة القاهرة في مصر.
سببت الهجومات الأولى خسائر فادحة للمستعمر الفرنسي جعلته يصرف أموالا إضافية في ميزانية الجيش، كما أوفدت فرنسا عددا هائلا من الجند إلى الجزائر و هذا دليل على جدية الأمر و حرج الموقف، خاصة بعدما أعلن في شتى ربوع البلد حالة الطوارئ القصوى، هذا و قد عمدت فرنسا إلى تحريض المعارضين في الحركة الوطنية و دفعهم للاقتتال مع جيش التحرير الوطني (القسم المسلح لجبهة التحرير الوطني) و هذه المعارضة المدعومة من الإدارة الاستعمارية هي "الحركة الوطنية الجزائرية" بقيادة بن لونيس.
شنت قوات الاستعمار الفرنسي هجمات على الجبال و معاقل الثوار في الأوراس خاصة و منطقة الشمال القسنطيني المجاورة لها و هذا بغية القضاء على الثورة نهائيا و تطويق المجاهدين لمنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي ثم القضاء عليهم تدريجيا.
هذا الحصار و الهجوم المكثف لم يثن من عزيمتهم أبدا بل زادهم إيمانا في تحقيق النصر يوما و رؤية الجزائر مستقلة و في نعيم إن شاء الله، فراحوا يردون على العدوان بشن هجمات معادية و نصب الكمائن لأخذ السلاح من العدو بسبب النقص الفادح في الكمّ، فكان المجاهدون يشجعون المواطنين الراغبين في الانضمام لمسار الكفاح المسلح أن يحضروا معهم مختلف الوسائل خاصة الأسلحة كبنادق الصيد أو الاستحواذ عليها من الجنود الفرنسيين بشتى السبل، فكان السعي الفرنسي لعزل الثورة التحريرية أمرا عسيرا على المجاهدين، لكن الترويج و التعريف بالثورة على الصعيد الواسع سيعمل على تدويل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة و فتح باب النقاش فيما يخصها، دون نسيان الدور الجبار الذي أسهمت فيه الإذاعات في الدول العربية الشقيقة كإذاعة صوت الجزائر التي بثت من الرباط بالمغرب و من القاهرة من مصر و تونس من تونس الشقيقة، إلى جانب الجرائد كجريدة المجاهد التي أنشأت لخدمة الثورة إعلاميا.
4*هجومات 20 أوت أغسطس 1955م:
هذا الحصار و العدوان الشرس المعلن ضد الثورة المجيدة كاد أن يثبطها عن مسعاها و يقضي عليها تماما لولا هجومات العشرين من أغسطس آب 1955م. بدأت الهجومات في الشمال القسنطيني بدء من 20 أوت و حتى 27 منه بقيادة البطل الشهيد "زيغود يوسف"، شنت على مراكز العدو و ثكناته المركزية التي منها كانت تنطلق قوات لخنق الثوار في الجبال، فشملت بعدها المعمرين المعادين للثورة و الخونة و المتواطئين في عملية قمعها و القضاء عليها، و لعل هدف الهجومات كان فك الحصار العسكري المضروب على الأوراس و الذي ضيّق على خطط الثورة و حاصر المجاهدين قرابة التسعة أشهر كاملة عانوا فيها خاصة إبان الشتاء القارس. أثبت الهجومات البطولية أيضا قوة الرد الجزائري و إمكانية هزيمته للجيش الفرنسي الذي قيل أنه لا يُهزم أبدا، مكنت هذه الأخيرة ذلك من غرس الثقة في الناس كلهم و إبراز أن العمل المسلح لن يزول بسهولة إذ هدف الجزائريين قاطبة هو الحرية و التضحية جزء من الثمن الذي لا بد من دفعه لأجل تلك النعمة. أصبحت فرنسا تحسب ألف حساب للمجاهدين و كفت عن مناداتهم بالفلاقة و الخارجين عن القانون و اللصوص، فصارت تدعوهم بالثوار، و راح الشعب يلتف حولهم و يعزز الثورة فكان لا بد من تداول القضية الجزائرية التي غدت على كل لسان في الأمم المتحدة عقب الهجمات.
5*المواجهة الساخنة:
ابتداءً من 1956م، بدأت أحزاب الحركة الوطنية تحل نفسها و تنضم لثورة التحرير، فاشتد وثاق التلاحم و تعززت الثورة. أنشأ عيسات إيدير النقابي المجاهد الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فبراير شباط 1956م و الذي صار قاعدة سياسية للثورة و أداة لتجنيد الشباب فيها، هذا و قد التحق الطلاب الجزائريون بالثورة المجيدة تاركين مقاعد الدراسة مفضلين الكفاح ضد المستعمر الظلوم بدل الدراسة لدى الفرنسيين، فنما الوعي التحرري أكثر فأكثر، و بدأت مساعي الثورة في التجسد بالتدريج، خاصة بعد نيل التأييد من الدول الشقيقة و الصديقة، و مثال ذلك هو الاعتراف بجبهة التحرير الوطني في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي و اعتبارها جزء فعالا في حركة المقاومة للتحرر ضد الإمبريالية الاستعمارية في العالم، هذا وقضت تم تداول القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة أعربت في نهاية الاجتماعات على الأمل في خلق حل سياسي و عادل للجزائر فأصدرت بيانا بشأن الموافقة. انتهجت الثورة طابعا انفتاحيا فكان القادة و المؤطرون ينظمون اجتماعات كبرى مع قادة أقطار المغرب العربي كتونس و المغرب كمؤتمر طنجة 1958م، فتخلت فرنسا على تونس و المغرب الأقصى و فضلت البقاء في الجزائر و الاحتفاظ بها كآخر مستعمراتها في شمال إفريقيا، و هذا بفعل أنها غنية بالثروات الطبيعية و واسعة الامتداد و أنها قريبة جدا من القطر الفرنسي، كما تمثل أقدم مستعمرة هنالك فهي محتلة منذ 1830م.
انعقد مؤتمر الصومام بعد عام واحد من هجومات عشرين أوت 1955م، في 20 أوت 1956م. و جاء المؤتمر لتنظيم شؤون الكفاح المسلح و إعادة تأكيد مبادئ الثورة، و أهم ما أتى به هو إنشاء المجلس الوطني للثورة و يعد أكبر سلطة تشريعية لها و إنشاء لجنة التنسيق و التنفيذ المهتمة بالمسائل العسكرية و السياسية، ذلك لا ينسينا أهم ما خلص له المؤتمر و هو ميثاق الصومام المحتوي على تنظيمات الثورة المجيدة الجديدة و كذا تعداد و بلورة أهداف الثورة و تأكيدها في المدى العاجل القريب، ثم إعطاء نظرة عن شكل الدولة الجزائرية غداة الاستقلال. و لعل أهم قرارات مؤتمر الصومام:
*تقسيم التراب الوطني لست ولايات عسكرية تندرج ضمنها المنطقة فالناحية فالقسم و هي:
الولاية الأولى/الأوراس
الولاية الثانية/الشمال القسنطيني
الولاية الثالثة/القبائل
الولاية الرابعة/الجزائر العاصمة
الولاية الخامسة/ وهران
الولاية السادسة/ الصحراء
*تكليف النائب العام لكل ولاية يأتي تحته رتبةً من يساعدونه و هم نائب عسكري، نائب سياسي و نائب للاتصالات.
*تقسيم جيش التحرير الوطني إلى:
المجاهدون الذين يمارسون الهجومات الحربية بالزي العسكري
المسبّلون و الفدائيون الذين يمارسون العمليات الفدائية و ينشطون بالمدن و يزودون المجاهدين في الجبال بالأخبار
*إنشاء الرتب في الجيش: جندي-جندي أول-عريف-عريف أول-مساعد...... و تتدرج حتى أعلاها الصاغ الثاني.
و لعل أهم ما حققه المؤتمر:
*إعطاء نفس جديد للثورة المجيدة و تنظيمها عسكريا و سياسيا تنظيمي محكما.
من جانبها أبرزت فرنسا الاستعمارية تصعيدا كبيرا في ردودها خلال هذه المواجهة الساخنة، حيث ضاعفت أعمال العنف و التعذيب و مارست سياسة واسعة لإفشال مسار الثورة التحريرية و لعل أهم ما قامت به:
*تأسيس المعمرين لمنظمة اليد الحمراء عام 1956م و هدفها قمع الحركات التحررية في الجزائر و العالم للحفاظ على مستعمراتهم و على رأسها الجزائر لأنها تمثل لهم أغنى المستعمرات و أقربها إلى التراب الفرنسي كما أنها تقع في موقع استراتيجي و زاد نشاط هذه المنظمة الإجرامية بعد اكتشاف النفط و الغاز في الصحراء الجزائرية.
*تضخيم المحتشدات و إرسال أعداد هائلة من المواطنين إليها لعزلهم عن المجاهدين.
*إنشاء المناطق المحرّمة و انتهاج سياسة الأرض المحروقة المنتهجة من طرف الجنرال بيجو في القرن 19م حين احتلالها للبلاد.
*أسر و تعذيب الجزائريين المنخرطين في المقاومة و غير المنخرطين بأبشع الوسائل المنافية لحقوق الإنسان و المهينة للكرامات.
*إنشاء السلطات الاستعمارية حاجزين على طول الحدود الشرقية و الغربية للجزائر بهدف عزل الثورة عن الخارج خاصة وصول المدد من السلاح من تونس و المغرب و مصر الشقيقة هما خطا "شال" و "موريس" المكهربين بأسلاك شائكة.
*محاولة بث الفتنة بين الأحزاب الوطنية الجزائرية لإفشال تقدم الثورة.
*محاولة إغراء بعض المواطنين بالمال و الدعم و وعدهم بوضع دستور جزائري يستجيب لطلباتهم و ما هي عدا محاولة لإخماد الثورة.
* منح تونس و المغرب و الكثير من الدول الإفريقية المحتلة الاستقلال عام 1956م و هذا للتركيز على أهم مستعمراتها و هي الجزائر.
*استمرار محاولتها كسب الدعم الدولي لكسر القضية الجزائرية و القضاء على الكفاح المسلح دون جدوى.
*تصعيد العدوان الخارجي ضد الدول الشقيقة المتعاونة مع الثورة الجزائرية كاعتداء ساقية سيدي يوسف على الحدود مع تونس و مقتل العديد من الجزائريين و التونسيين في 8 فبراير 1958م، و المشاركة في العدوان الثلاثي على مصر مع بريطانيا و إسرائيل في 1956م.
لم تنجح مساعي فرنسا للقضاء على الثورة المجيدة في الجزائلاية و إنما واجهت مشاكل أعظم عندما انقسمت على نفسها بين قسمين:
قسم تمثله الحكومة الفرنسية رسميا يدعو للنظر في القضية الجزائرية و فتح نطاق الحوار و التفاوض نتيجة الضغط الدولي و الثوري و كذا الخسائر البشرية و المادية و المالية لها، و قسم غيره يمثله المعمرون الذين يأبون إلا البقاء في الجزائر و يحملون شعار الجزائر فرنسية للأبد داعين للانفصال على السلطة في فرنسا و تشكيل دولتهم المنفردة.
قامت أحداث 13 ماي 1956م، و فيها احتج المستوطنون الفرنسيون في الجزائر ضد حكومتهم الفرنسية و قاموا بقلب النظام فيها تعبيرا عن عدم رضاهم بفتح باب الحوار مع جبهة التحرير الوطني و اعتبار ذلك خضوعا و بداية للانهزام، عقب الأحداث تولى الجنرال ديغول السيادة في فرنسا و قام بإعلان قيام الجمهورية الفرنسية الخامسة في 08 يناير 1959م، فكان شارل ديغول مصمما على البقاء في الجزائر و سخر لذلك الهدف قوات عسكرية عظيمة و وسائل مادية كبرى، فعين الجنرال شال الذي حاول قمع الثورة كليا بعزلها و مهاجمتها بحرا و برا و جوا. و قام أيضا بتنظيم استفتاء يوم 28 سبتمبر 1958م ليعرف رأي الشعب في الاستقلال أو البقاء تحت الحكم الفرنسي فزورت النتائج كلها لتفادي الانخذال. لم تمضي أيام حتى جاء شارل ديغول بمشروع قسنطينة (03 أكتوبر 1958م) و الرامي إلى التخلص من الثورة سلميا عن طريقه، فقد مثل مشروعا اقتصاديا مغريا وزع الأراضي على الجزائريين و منحهم سكنات و وفر مناصب عمل لهم قاضيا على البطالة و الفقر مقابل تخليهم عن الثورة رغبة في كسب مساندتهم، فلم تبقى جبهة التحرير الوطني مكتوفة الأيدي تجاه هذا المشروع و العدوان العسكري المكثف فقامت بعدة عمليات فدائية و تفادي المواجهة المباشرة و نقل العمليات نحو فرنسا و انتهاج سياسة حرب الكمائن.
قام الشعب بمظاهرات 11 ديسمبر 1960م، و هي مظاهرات عارمة و شاملة في كل المدن الكبرى للجزائر معبرين عن رغبتهم في الاستقلال و رفضهم الإغراءات التي يقدمها ديغول لهم ليبعده عن هدفهم ألا وهو الاستقلال، فرفعوا لأول مرة الراية الوطنية و استمرت المظاهرات أياما معبرا فيها الشعب عن دعمه و مساندته الكاملة لجبهة التحرير الوطني، و في المقابل قامت الجبهة بتشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة في 19 سبتمبر 1956م، و التي مثلت المفاوض و الممثل السياسي البارز للجزائر مبرزة القضية الوطنية الجزائرية في المحافل الدولية و لدى منظمة الأمم المتحدة رافعة مبدأ تقرير المصير كشرط جوهري. لم تتوان جبهة التحرير في التكفل باليتامى و الفقراء من أسر المجاهدين و الشهداء لإثبات اهتمامهم بهم و إبعادهم عن الإغراءات الفرنسية. كانت الحكومة الجزائرية المؤقتة واجهة سياسية مهمة جدا تمثل القضية و تدافع عن الثورة التحريرية بكل السبل، فلاقت دعما دوليا واسعا إذ اعترفت بها الدول العربية غداة تكوينها مباشرة ثم اعترفت بها الدول الأخرى كالاتحاد السوفياتي و الصين الشعبية و دول أمريكا اللاتينية منها كوبا و المكسيك.
حدثت مظاهرات كبرى في باريس بفرنسا في 17 أكتوبر 1957م، إذ خرج آلاف الجزائريين المقيمين في فرنسا سلميا ليعبروا عن دعمهم للثورة الجزائرية و جبهة التحرير الوطني، و راحوا يرددون شعار: "الجزائر جزائرية"، "الجزائر حرة" و غيرها من الشعارات الهاتفة بسيادة و حرية البلاد، و كانت نتيجة للقمع الذي تمارسه فرنسا ضد إخوانهم في الجزائر و ضدهم حيث منعوا من التجوال ليلا تعسفا دون غيرهم من الجاليات الباقية، فقابلت السلطات الفرنسية تلك المظاهرات السلمية بالقمع الوحشي و رمت آلاف الجزائريين في نهر السين كما اعتقلت 15 ألفا منهم و قتلت آخرين، كما طردت الكثيرين من فرنسا.
6*المفاوضات و الاستقلال:
أخيرا رضخت فرنسا للأمر الواقع و دخلت في المفاوضات مع الجانب الجزائري الذي تمثله شرعيا جبهة التحرير الوطني فقط، و تقسم سيرورة المفاوضات إلى سرية و علنية.
مفاوضات سرية:
أبرز ما ميزها:
*لقاء مبعوث مانديس فرانس (رئيس الحكومة الفرنسي) مع المناضلين بن يوسف بن خدة و عبّان رمضان في الجزائرعام 1956م
*لقاء القاهرة بين ممثلي الجبهة و مبعوثي غي مولي.
*لقاء بلغراد في يوغوسلافيا بين محمد يزيد و أحمد فرنسيس ممثلي جبهة التحرير الوطني و بيير كوميني.
*لقاء روما في 1 سبتمبر 1956م. و كانت هذه اللقاءات الثنائية جسا للنبض من كلي الطرفين لمعرفة مطالب ثم قوة كل منهما.
مفاوضات علنية:
أبرز الأحداث فيها:
*لقاء مولان سنة 1960م الممهد لمفاوضات إيفيان.
*محادثات إيفيان الأولى: جرت بين 20 مايو و 13 يونيو 1961م، و فيها تقابل ممثلو جبهة التحرير الوطني مع ممثل الطرف الفرنسي لويس جوكس، و هنا اعترفت فرنسا بالسياسة الخارجية للدولة الجزائرية لكنها لم تتنازل عن الصحراء الجزائرية ففشلت المفاوضات.
*الجولة الثانية جرت بين أكتوبر و نوفمبر 1961م، و إبانها وجدت عدة عوائق تحول دون الاتفاق بين الجانبين كقضية الضمانات و وقف إطلاق النار و قضية الصحراء.
محادثات إيفيان الثانية:
تواصلت المحادثات مجددا في 7 مارس 1962م، و فيها تم توقيع اتفاقية وضع حد للحرب في الجزائر دامت سبع سنوات و نصف مخلفة مئات الآلاف من الضحايا و المعطوبين و اليتامى و المشردين بلا مأوى و الجرحى ذوي العاهات الدائمة، فنصت الاتفاقيات على:
*سيادة الجزائر على ترابها الوطني كاملا و وحدته المطلقة.
*وحدة الشعب الجزائري.
*جبهة التحرير الوطني ممثلا شرعيا و وحديا للأمة الجزائرية.
بهذا تم تحقيق هدف بيان اول نوفمبر 1954م الذي نص على بلوغ المفاوضات في آخر المطاف بين ممثلي الشعب الجزائري و هذا على أساس الإعتراف بالسيادة الوطنية و وحدة الأمة، إطلاق المعتقلين كافة و الإقرار باستقلال الجزائر رسميا.
حاولت فرنسا في مفاوضات إيفيان أن تراوغ و لا تنتهي إلى منح الاستقلال التام للجزائر، لكنها لم تنجح و تم تتويج المفاوضات بقرارات أهمها:
وقف إطلاق النار يوم 19 مارس 1962م، و تمخض عن القرار هذا قيام منظمة الجيش السري الفرنسية بأعمال تخريبية و إرهابية في الجزائر مخلفة ضحايا و خسائر مادية كبيرة تعبيرا منها عن عدم رغبتها في التخلي عن البقاء في الجزائر، فحدث جو من الرعب و أعمال الشغب حيث فر جل المستوطنين نحو أوروبا فارين من أعمال المنظمة.
نظم استفتاء في 1 يوليو 1962م للشعب الجزائري و جاء فيه: " نعم" أم "لا" للاستقلال و أسفر عن نتيجة مبهرة: أزيد من 5 ملايين صوت يقر بنعم للاستقلال مقابل 16584 صوت حمل عبارة لا، أي 97.3% نعم مقابل 2.7% لا. فتم إعلان استقلال الجزائر من طرف فرنسا في 2 من يوليو 1962م لكن إعلانه الرسمي لم يتم حتى 5 يوليو 1962م بعد حرب ضروس و قوية تكبد فيها الاستعمار خسائر كبرى في كل المجالات، فلقنه الأبطال المجاهدون درسا حقيقيا يوجب إجلال الشعب الجزائري المناضل و أسفر عن تحقيق الحرية الكلية للتراب الوطني و وحدته، ففرح الجزائريون و خرجوا للتعبير عن بهجتهم و فرحتهم مفتخرين بثورتهم التي تعد أعظم ثورة في القرن العشرين لجانب ثورة الفييتنام، فكان ثمن الحرية باهضا و باهضا جدا، أكثر من مليون و نصف مليون شهيد، آلاف الجرحى و المعطوبين، آلاف اليتامى و الأرامل و المشردين، دمارا ماديا واسعا و خرابا شاملا في المدن و القرى، آلاف الشهداء المجهولين، لكن النعمة التي نعيشها اليوم في بلادنا استحقت هذا الثمن الغالي الذي جلب الاستقلال الأغلى، فتحية للشهداء الأبرار، شهدائنا الأبطال الذين ضحوا بالغالي و النفيس من أجل غاية موحدة جمعتهم على الجهاد و راية الجزائر؛ الاستقلال.
بدأ التحدي في بناء الدولة الجزائرية و تشييدها غداة الاستقللال مباشرة تقوم على الديموقراطية الاجتماعية و هذا في إطار المبادئ الإسلامية و القيم النبيلة.
تحرير:
لحسن لطفي
للمراسلة: lotfilahsen@hotmail.fr
الصور المتعلقة بالثورة الجزائرية: